الأربعاء، ٤ أغسطس ٢٠١٠

يعقوب وعيسو. الذكورة والأنوثة ـ الأبوة والأمومة ـ والله



يعقوب وعيسو
وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ. 20وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أُخْتَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانَ أَرَامَ. 21وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى الرَّبِّ لأَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ امْرَأَتُهُ. 22وَتَزَاحَمَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ: «إِنْ كَانَ هكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا؟» فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ الرَّبَّ. 23فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: «فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ». 24فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. 25فَخَرَجَ ألأَوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا اسْمَهُ «عِيسُوَ». 26وَبَعْدَ ذلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ اسْمُهُ «يَعْقُوبَ». وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا. 27فَكَبِرَ الْغُلاَمَانِ، وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ الصَّيْدَ، إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ. 28فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ. 29وَطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخًا، فَأَتَى عِيسُو مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ قَدْ أَعْيَا. 30فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أَطْعِمْنِي مِنْ هذَا الأَحْمَرِ لأَنِّي قَدْ أَعْيَيْتُ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ «أَدُومَ». 31فَقَالَ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي الْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ». 32فَقَالَ عِيسُو: «هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ، فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟» 33فَقَالَ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِيَ الْيَوْمَ». فَحَلَفَ لَهُ، فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ. 34فَأَعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُوَ خُبْزًا وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى. فَاحْتَقَرَ عِيسُو الْبَكُورِيَّةَ.


لا يمكن أن نبرح هذه الفقرة دون أن نقف عند يعقوب وعيسو وعلاقة كل منهما بأبيه وأمه ونمو شخصية كل منهما. وسوف نتناول هاتين الشخصيتين من منظور نفسي تربوي روحي تحت نقاط ثلاثة:
·       الطبيعة الموروثة
·       التنشئة (العلاقة بالوالدين)
·       الروحانية (العلاقة بالله)

أولاً: الطبيعة الموروثة (السجيّة) Temperament  وتأثيرها على الشخصية
يولد بعض الأولاد بطبيعة ذكورية أكثر من أولاد آخرين. بالطبيعة الذكورية أقصد الميل للخروج خارج البيت و للمغامرة و حب الإثارة والقدرة على المبادرة والبُعد عن الأمان الذي يوفره البيت. مثل هذه الشخصية تحب أن تختبر غموض الحياة المادية وتسبر غور الأماكن الجديدة على أرض الواقع المادي الملموس. ذكور آخرين، برغم اكتمال ذكورتهم جنسياً، لهم بعض الميول الأنثوية في الشخصية مثل البقاء في البيت والهوايات البيتية مثل الطبيخ والأمور التي يمكن أن تمارس داخل الأبواب مثل القراءة والموسيقى والفنون. مثل هؤلاء يحبون سبر أغوار المجهول ولكن في عالم المعاني والفكر. الإفراط في الصفة الذكورية يؤدي إلى شخصية مندفعة تبحث عن اللذة الحسّية الوقتية والإفراط في الصفة الأنثوية يؤدي إلى شخصية ماكرة مخادعة متآمرة. وهذا ما حدث في شخصيتي كل من يعقوب وعيسو كما نرى. ولعلنا نرى هذه الطبيعة المتآمرة لا تزال في نسل يعقوب (إسرائيل) حتى الآن. 
ثانياً: العلاقة بالأب والأم (التنشئة) Upbringing وتأثيرها على الشخصية
عادة ما ينجذب الأب للولد صاحب الذكورة العالية وخاصة إذا كان مثله وبالتالي تكون لديهم نفس الاهتمامات. أحياناً أيضاً إذا كانت للأب سمات أنثوية مرتفعة وكان يكرهها في نفسه فإنه لا يحب الابن الذي لديه نفس الصفات الأنثوية العالية فيرفضه لأنه يرفض فيه ما يرفضه في نفسه. الأب الأكثر اتزاناً بين الذكورة والأنوثة (مع ميل بالطبع للذكورة) هو الأكثر قدرة على الالتحام bonding بابناءه الذكور سواء كانوا كانوا من أصحاب الذكورة العالية أو المنخفضة. وهذا بدوره يساعد على أن ينموا هؤلاء بشكل متزن دون إفراط في الذكورة المندفعة أو الأنوثة الماكرة. من الواضح أن اسحق التحم نفسياً بعيسو أكثر مما فعل مع يعقوب الذي التحم اكثر بأمه: 28فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ. هذا التقسيم إلى حزبين في البيت له مضار كبيرة:
ـ فالولد الذي يندفع في ذكورته دون أن يتلامس مع الجانب الأنثوي والذي يجب أن يُنَمَّى بعلاقة جيدة بالإناث كالأم مثلاً، يصبح رجلاً متهوراً وغير ناضج. ربما هذا كان المقصود عندما وُصِف يعقوب بأنه رجل كامل (أي أنه ناضج أو عاقل أو متزن) وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ الصَّيْدَ، إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ.
ـ والولد الذي يلتحم بأمه أكثر من اللازم ولا يلتحم بأبيه، يكبر وذكورته ضعيفة. هذه الذكورة الضعيفة ربما لا تكون ضعيفة للدرجة التي تؤثر في توجهه الجنسي ويصبح مثلياً (وهذا لم يكن وارداً كثيراً في هذه الثقافة القبلية لأنه كان من السهل بالنسبة للذكر أن يلتحم بدرجة ما برجال آخرين في هذه البيئة من المعيشة الجماعية). لكن على الأقل يمكن أن تؤثر هذه السمات الأنثوية الزائدة عن الحد في أن يصبح الرجل كما نقول "ابن امه" أكثر من اللازم ويتآمر معها ضد الأب والولد الأكثر ذكورة.

ثالثاً: الروحانية (العلاقة بالله) وماذا تفعل في الشخصية
بطبيعة الحال تتميز الصفة الأنثوية بميل أكبر للروحانية أو للنوع التأملي من الروحانية (وهو النوع السائد في أغلب الأحيان) وتتميز الطبيعة الذكورية بسبب تعلقها بكل ما هو مادي وملموس بالبعد عن الروحانية. لهذا السبب كان يعقوب متعلقاً جدأً بقضية روحية معنوية هامة وهي "البركة" والبركة هنا  تمثل جانبين روحي و إنساني. الجانب الروحي  هو "رضى الله وموافته" و الجانب النفسي العلاقاتي هو "رضى الأب وموافقته" و كان  "إعطاء البركة" ممارسة روحية أسرية تربط هاتين القيمتين معاً فيصبح رضا الرب من رضى الأب.  هذا التشجيع أو التوكيد affirmation  الأبوي ضروري جداً في التكوين النفسي والروحي للذكور، يظل الرجال عطشى إليه طوال العمر خاصة الذين لم يلتحموا بآبائهم ويظهر هذا العطش في صور متعددة  تظهر بشكل متطرف في الجنسية المثلية لكنها تظهر بصور أخرى أقل تطرفاً وأكثر شيوعاً في صورة  الإفراط في الجنس والعنف (وربما العنف الجنسي كالاغتصاب والتحرش)، وبين الإندفاع لتحقيق النجاح وإدمان العمل والشهرة والمال أو حتى الخدمة الروحية غير المتزنة.  كلها تمثل طرقاً يائسة لإثبات الاستحقاق الذكوري و "بدائل" فاشلة لذلك التوق العميق للتوكيد من ذكر أكبر وأب محب.
نلاحظ هنا الجانب الروحي في كل من يعقوب وعيسو والذي يوضح لماذا اختار الله يعقوب ولم يختر عيسو. السبب ببساطة ان يعقوب اختار الله ولم يختره عيسو. الله يحب الجميع ويختار الجميع، لكن اختياره للإنسان لا يُمكن أن يُفعَّل إلا إذا قام الإنسان نفسه باختيار الله.  ذلك لأن الله خلق الإنسان حراً. وفيما يلي علامات اختيار يعقوب لله واختيار الله له.
1)      يعقوب كان يسعى في طلب البركة. كان يعقوب مهتماً بهذا البُعد الروحي الإنساني. أما عيسوا فقد اظهر احتقاراً للبكورية بسبب رغبة حسّية مباشرة كرغبة الأكل مثلاً: وهذا عيب "ذكوري" فادح يمثل الذكورة المندفعة التي تطلب اللذة الحسّية الآنية على الابعاد الروحية غير المنظورة. حتى أنه ظن أنه إذا لم يأكل "الآن" سوف يموت. بالطبع هذا تفكير طفلي لكنه يعكس عدم قدرته على تأجيل اللذة.
2)      إن كانت طريقة يعقوب ماكرة وخبيثة وخاطئة، إلا أنها تعكس رغبة عارمة نحو الله ونحو الأمور الروحية. هذا أشار إليه المسيح في العهد الجديد عندما قال أن ملكوت السموات يُغصَب والغاصبون يختطفونه (متى 11: 12)  واضح أن عملية البيع والشراء هذه حدثت بين يعقوب وعيسو بينما كانوا أطفال أو مراهقين، حتى أن عيسو عندما طلب منه أبوه اسحق أن يأتي بصيد لكي يباركه، نسى أنه قد باع بكوريته لأخيه. نرى كيف كان يعقوب يخطط (ربما مع أمه) منذ وقت باكر جداً للحصول على البكورية. من الواضح أن شعب اسرائيل الحالي بالرغم من عدم احتفاظهم بالرغبة في الله، احتفظوا بطبيعة الرغبة في الاغتصاب والتأمر! 

ماذا فعل الله مع يعقوب؟
ما سوف نراه في الإصحاحات التالية من  تعاملات الله مع يعقوب هو أنه ظل معه لأن يعقوب يريد أن يكون مع الله. ومارس الله مع يعقوب الأبوة الحنونة الحازمة التي كان يفتقد إليها. كسر خداعه واعتداده بعقله ومكره، وحوله من يعقوب المتعقب، إلى إسرائيل (أي شعب الله). وهذا ما يفعله الله مع كل واحد يدخل للملكوت. ملكوت الله مفتوح ومتاح ومجاني للجميع. لكن هناك شرط وحيد للدخول وهو شرط منطقي، وهو أن "تريد الدخول"! لا دخول بالإرغام! لا يرغم الله أحداً على الدخول ولا يمكن لإنسان أن يرغم إنساناً آخر على الدخول. يمكن لكل إنسان يريد الدخول أن يدخل ويُقبل كما هو. لكنه هناك، عندما يصادف المحبة والأبوة المتزنة،  فإنه ينضج ويتغير. 

هناك ٦ تعليقات:

غير معرف يقول...

ربنا يباركك يا دكتور اوسم موضوع حلو وشيق بس عندي تعليق ازاي ربنا احب يعقوب واختاره لان يعقوب هو اللي اختاره الاول لانه مكتوب
رو 9: 13 كما هو مكتوب احببت يعقوب وابغضت عيسو
وعن التلاميذ يقول الرب
يو 15: 16 ليس انتم اخترتموني بل انا اخترتكم
وعنا نحن اولاد العهد الجديد
اف 1: 4 كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة
اي انه هو الذي اختارنا وبالنعمة اي انه اختار يعقوب بالنعمة

غير معرف يقول...

على فكرة يا دكتور انا بهجت اللي بعت التعليق الخاص بالاختيار

Dr. Awsam Wasfy يقول...

في رأيي أن الاختيار قبل تاسيس العالم ليس اختيار لفلان أو فلان بالإسم ولكنه "اختارنا في المسيح" أي أنه اختار من يؤمنون بالمسيح ويدخلون في العلاقة معه. أما الإيمان بافمسيح فهذا نحن ندخل فيه بإرادتنا. الله يريد أن الجميع يخلصون واختار بالنعمة "الجميع" لكن من يتجاوب مع النعمة يثبت فيها ومن لا يتجاوب "يسقط من نعمة الله" أما قول المسيح ليس أنتم اخترتموني فهذا أمر آخر فبالفعل المسيح اختار الاثنا عشر ليكونوا تلاميذه ولم يأتوا هم إليه ليكونوا تلاميذه. ذهب إلى واحد فواحد وقال: "اتبعني" " هلم ورائي فأجعلكم صيادي الناس." وهو أيضاً اختار يهوذا بالنعمة، كما هو، لكنه لم يثبت في النعمة ولم يجعل دعوته واختياره ثابتين إلى النهاية.

غير معرف يقول...

انا مقتنع بكلامك يا دكتور بالنسبة للاختيار لانه منطقي لكن هل فيه شواهد كتابية تؤيد كلام حضرتك
تحياتي
بهجت

Dr. Awsam Wasfy يقول...

بمناسبة مسابقات رمضان.راجع ردي عليك واستخرج منه إشارات لثلاث شواهد كتابية. اذا استطعت فسوف تفوز برحلة لشخصين إلى شرم الشيخ!

غير معرف يقول...

this is a great article , need to be read many times to grasp all ideas ! yet very interesting ... thanks for sharing .
n.s.

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html