الأربعاء، ٢٧ مايو ٢٠٠٩

أبناء الله وبنات الناس ؟؟؟


الإصحاح السادس

وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأُوا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. لِزَيَغَانِهِ هُوَ بَشَرٌ وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَيْضاً إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَداً - هَؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ.
وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ: الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». 8وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.

• أبناء الله وبنات الناس. ما هو التفسير؟
هناك عدة تفسيرات. أولاً: هناك من يقول أن أبناء الله هم الملائكة والناس هم البشر العاديون. وهناك من
يقول أن هناك نوعان من البشر نوع متطور (أبناء الله) ونوع أقل تطوراً (الناس) وهذه النظرية تتفق مع
فكرة تطورية وهي أن الخلق هو لمسة إلهية للإنسان الأقل تطورنا من الإنسان الحالي (وليكن إنسان
النياندارتال مثلاً) لتحدث القفزة (الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان) ويظهر الإنسان العاقل وهو أول
خليقة الإنسان المعروف حالياً (والمرموز له بشخصية "آدم")

تشير الدرسات إلى ان الانسان الحالي لم يكن الوحيد على الارض، وانما الاخير فقط، إذ عاش قبله انواع اخرى من البشر. ومن المثير ان الانسان الراهن عاصر انسانا آخر لفترة حوالي 15 الف عام هو الانسان المسمى: النيندرتال، وحدث هذا قبل حوالي 35 الف سنة فقط. إنقراض هذا الانسان قد يكون دليلا على انه لم يكن في احسن تصميم، غير ان وجوده يبقى دليلا على ان الطبيعة قد قامت بالعديد من التجارب قبل ان تصل إلى النموذج الأفضل. (راجع "إنسان النياندرتال" موسوعة ويكيبيديا)

هناك تفسير ثالث نابع من فكرة تاريخ النص وتاريخ الكتابة. تاريخ النص هو بداية الخليقة الذي لا يوجد فيه بشر كثيرون أما تاريخ الكتابة فهو في عصر تالي به بشر كثيرون. وهنا ربما يخلط الكاتب بين تاريخ النص وتاريخ الكتابة فيسقط من تاريخه هو على التاريخ الذي يتكلم عنه.




• كل هذه الأمور ليست هي مربط الفرس فالوحي في الكتاب المقدس ليس وحي حروف وكلمات. أنه وحي "المعنى الروحي" وهذا المعنى الروحي الإلهي الأبدي يتخلل كتابات كتبها بشر. ومهمة المفسر هو أن يصل لهذا المعنى الروحي الذي يتخلل هذه الكتابات البشرية. هذا المعنى الروحي هو رسالة الله لنا وهو يصلح لكل العصور لأنه يتعلق بطبيعة الإنسان واحتياجاته الروحية وبتعامل الله معه عبر العصور. هذا التعامل الإلهي قد يتخذ أشكالاً مختلفة عبر العصور وبحسب تطور الإنسان وفهمه. لكن مضمونه واحد وهو "الخلاص" اللي يريد أن يخلص الإنسان وهذا من خلال علاقة روحية بين الله والإنسان.
• ما يريد الله أن يقوله من خلال هذا الكلام هو أن الإنسان مازال مستمراً في تمرده واستقلاله فأصبح شره يتزايد كل يوم وهنا يبدأ "الحوار " الدائم بين عدل الله الذي يقضي بالقضاء على الإنسان لأنه تمرد عليه وفقد مبررات خلقه. الإنسان مخلوق من الله كتعبير عن عظمة الله (كما تعبر الكلمة عن قائلها والعمل الفني عن الفنان) والمنطق يقول أن العمل الفني إذا تمرد على الفنان وبدأ في تغيير شكله إلى القبح، فمن الطبيعي أن يبيده الفنان ويصنع من الطين عملاً آخر يطيعه ويستمر على الشكل الذي خلقه عليه. هذا المنطق يقابله منطق آخر وهو منطق رحمة الله ومحبته فالله يذكر أنه هو الذي أعطى الإنسان الحرية التي مكنته من الخطية أصلاً وأنه خلق الإنسان ليس فقط ليعلنه ويمجده، لكنه الله خلق الإنسان حراً وعاقلاً (مثله) لكي يحبه ويعيش في علاقة معه. فكيف يخلق الإنسان ليحبه ثم يقضي عليه لأنه سقط أليس من المنطقي أن يُصلحه؟ . الحوار الدائم بين عدل الله ورحمته هو الذي يصنع خلاص الإنسان.
• وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. الله يفتش عن الإنسان الذي لايزال يبحث عن الله ويستجيب لفطرته الداخلية التي تتوق للعودة لله. ومن خلال هذا النوع من البشر يتكلم الله لباقي البشر لأنه يتوق الله لاستعادة كل البشر إليه كما يشتاق الأب إلى كل أبناءه البار والعاق، الصالح والطالح.

الخميس، ٢١ مايو ٢٠٠٩

القمح والأعشاب












وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ. 18وَوُلِدَ لِحَنُوكَ عِيرَادُ. وَعِيرَادُ وَلَدَ مَحُويَائِيلَ. وَمَحُويَائِيلُ وَلَدَ مَتُوشَائِيلَ. وَمَتُوشَائِيلُ وَلَدَ لاَمَكَ. 19وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ. 20فَوَلَدَتْ عَادَةُ يَابَالَ الَّذِي كَانَ أَباً لِسَاكِنِي الْخِيَامِ وَرُعَاةِ الْمَوَاشِي. 21وَاسْمُ أَخِيهِ يُوبَالُ الَّذِي كَانَ أَباً لِكُلِّ ضَارِبٍ بِالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ. 22وَصِلَّةُ أَيْضاً وَلَدَتْ تُوبَالَ قَايِينَ الضَّارِبَ كُلَّ آلَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ. وَأُخْتُ تُوبَالَ قَايِينَ نَعْمَةُ. 23وَقَالَ لاَمَكُ لِامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: «اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي وَفَتىً لِشَدْخِي. 24إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ».
25وَعَرَفَ آدَمُ امْرَأَتَهُ أَيْضاً فَوَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ شِيثاً قَائِلَةً: «لأَنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ لِي نَسْلاً آخَرَ عِوَضاً عَنْ هَابِيلَ». لأَنَّ قَايِينَ كَانَ قَدْ قَتَلَهُ. 26وَلِشِيثَ أَيْضاً وُلِدَ ابْنٌ فَدَعَا اسْمَهُ أَنُوشَ. حِينَئِذٍ ابْتُدِئَ أَنْ يُدْعَى بِاسْمِ الرَّبِّ.
• هنا يحكي الكتاب المقدس كيف استمر الإنسان في الحياة يخلد اسمه وأسماء أبنائه. ويغالي في تقييم نفسه. فهاهو "لامك" يسير على درب جده قايين ويتفوق عليه. فإن كان ينتقم لقايين سبعة أضعاف فله يُنتَقَم سبعة وسبعين. دخلت الخطية بإنسان واحد ومن جيل لجيل تتفاقم وتستمر. أصلها الكبرياء وفروعها الشهوة والقتل.
• لكن الله لا يعدم دائماً من يخرج من صلب الخطاة ليُدعى باسم الرب ويدعو باسمه. في كل عصر وكل قبيلة ولسان نجد من يستجيب لنداء قلبه ويبحث عن الله ويدعو باسمه. فهاهو "أنوش" ابتدئ أن يُدعى باسم الرب.
• من البداية وحتى الآن يسير خط الخطية والتمرد مع خط التوبة والعودة لله في كل جيل وفي كل شعب. القمح والأعشاب الضارة ينميان معاً إلى وقت الحصاد عندما سوف يفرق الرب بينهما فيجمع القمح إلى مخازن الحياة الأبدية، أما الأعشاب الضارة فمصيرها خارج المخازن.

الأحد، ١٧ مايو ٢٠٠٩

تائها وهارباً تكون في الأرض


وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ. 9فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» 10فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. 11فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ! 12مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهاً وَهَارِباً تَكُونُ فِي الأَرْضِ». 13فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ. 14إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهاً وَهَارِباً فِي الأَرْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي». 15فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ». وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. 16فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ.

• بدأت الخطية عند آدم وحواء عندما قررا أن ينفصلا عن الله ويكونا إلهين لأنفسهما. الرغبة في الحرية تحولت إلى رغبة في التمرد. والرغبة في النمو والمعرفة تحولت إلى كبرياء واستقلالية وتأله. الرغبة في السيطرة على كل شيء أفقدت الإنسان السيطرة حتى على نفسه. وظهرت أول الثمار في نسل آدم و حواء فقتل قايين أخاه هابيل.
• حنق قايين على هابيل لأن الله نظر إلى عطية هابيل وإلى عطية قايين لم ينظر. لا ندري كيف كانت تقدمة العطايا ولا الطريقة التي بها كان يتكلم الله لهؤلاء البشر وهل هؤلاء شخصيات حقيقية أم هي قصة أراد الله بها أن يقدم تمثيلاً للبشر على مر العصور. المهم أن ما يريد الوحي أن يقوله ونحتاج نحن أن نتعلمه هو أن التمرد والعصيان والكبرياء قد تبدو خطايا "راقية" لكنها تؤدي في النهاية إلى خطايا قبيحة وأول القصيدة كان قتلاًَ.
• الله يسأل قايين عن دم هابيل أخيه! أَوَلا يعلم الله؟ الله يعلم ولكنه يواجه ويتكلم إلى الخاطئ. الله لا يخاصم حتى من يخطئ. الله يتكلم ويواجه. وهذا ما يجب أن نفعله مع من يخطئ في حقنا.
• "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض." دم المظلومين لا يصمت بل يصرخ إلى الله والله يسمع.
• متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها. دخل الفساد إلى العالم. فقدت الدنيا براءتها ونقائها. دخل العجز والنقص والتعب السلبي. الخسارة والعدمية.
• "تائهاً وهارباً تكون في الأرض." الأرض هي بيت الله. بيت أبينا الذي خلقها وخلقنا. ينبغي أن نشعر بالأمان هناك. لكن ما يشعرنا بالغربة هو أننا قد اغتربنا عن صاحب الأرض. منذ ذلك الحين نشعر بالغربة وبالرغبة في شيء آخر أفضل. لا نعرف ما هو ولكننا لسنا مستريحين هنا. نحن لا نشعر بالراحة في هذه الأرض لأننا في أعماقنا نتوق إلى الحالة التي نكون فيها في أرض نحن متصالحون مع صاحبها وصانعها. نحن نتوق إلى العودة إلى الله من غربتنا وتيهاننا. عندما تشعر بعدم الرضا التام في هذه الحياة فهذا معناه أنك تتوق إلى الله. إلى الحياة الأبدية. ليس فقط إلى عدم الموت وإنما إلى الحياة الحقيقية التي هي السلام مع الله ونهاية الاغتراب. يظهر اغترابنا في الشك وفي عدم التصديق وفي الخوف وفي الإحباط وفي الشهوة والنهم الذي لا ينتهي وفي عدم قدرتنا على الحب، سواء حب أنفسنا أو حب الآخرين.
• الله يؤدب ولا ينتقم. لم ينتقم الله من قايين. الرحمة لا تزال موجودة حتى مع القاتل! جعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده. برغم السقوط لا تزال رحمة الله موجودة في الأرض. لم يقتل الله قايين لأنه قتل وإنما استحياه. هنا تظهر خطية الإنسان وخلاص الله للإنسان الخاطئ.
• كل ما وجده يقتله. هذه إشارة إلى أن قايين وهابيل ليسوا هم أول البشر. في رأيي ورأي بعض المفكرين أن قصة قايين وهابيل ليست قصة تاريخية بمعنى وجود شخصية حقيقية تدعى قايين وشخصية تدعى هابيل وإنما هي قصة أسطورية رمزية أراد به الوحي أن يلخص مأساة الإنسان. هي حقيقة ولكنها حقيقة روحية أكثر من كونها تاريخ دقيق.
• "خرج قايين من لدن الرب" يا لها من جملة قاسية لا زلنا نعاني من ألمها حتى يومنا هذا. في قمة فرحنا نشعر بشيء ناقص. في قمة نجاحنا نشعر بالخواء. في قمة تمتعنا بالحب البشري، نشعر أننا وحيدون ومغتربون. ذلك لأننا قد خرجنا من لدن الرب.
 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html