الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠٠٩

مدعو للازدهار














اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ

وَبَارَكَ اللهُ نُوحاً وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ. 2وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. 3كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَاماً. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. 4غَيْرَ أَنَّ لَحْماً بِحَيَاتِهِ دَمِهِ لاَ تَأْكُلُوهُ. 5وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ. 6سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ. 7فَأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَاكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا».

تجديد العهد مع الإنسان
نلاحظ أن الله يجدد نفس العهد الذي قطعه مع آدم وحواء.

ـ أثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ
هذه الوصية بداخلها أكثر من مضمون. الأول: مباركة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وأنها لاتزال مقدسة بعد السقوط كما كانت قبله. الثاني: الإنسان مفطور على أن يثمر ويكثر وهذا ليس معناه فقط التناسل والتكاثر الجسدي، وإنما أيضاً الخلق والإبداع الفني والعلمي وكل شيء من شأنه أن يُعلي من قيمة وعمق الحياة الإنسانية.

ـ وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ,
هذه الوصية مضمونها أن الله يعطي الإنسان السلطان مرة أخرى برغم سقوطه وخطيته. وهذا مهم أن نفهمه لأن عطايا الله هي بلا ندامة. الله لا يتراجع عن قراره في كونه قد خلق الإنسان على صورته معطياً إياه القدرة على الخلق والإبداع والحرية والسلطان حتى وإن كان الإنسان يستخدم هذا السلطان لعصيان الله وإيذاء أخيه الإنسان. الدين يصور الله وكأنه جاثم على صدر الإنسان أو عين كبيرة تراقبانه لكي تتصيد له الأخطاء لكن العهد الذي يقدمه الكتاب المقدس هنا يتضمن أن الله يتراجع ويعطي السلطان للإنسان لكي يزرع ويحصد ما يزرعه إن كان خيراً وإن كان شراً.
الله يتدخل في مواقف خاصة لكنه بعد ذلك يأخذ خطوة للخلف ويعطي المساحة للإنسان لكي يعيش بحرية. الله أب صالح غير مسيطر وغير اعتمادي يسمح بالحرية لخليقته ويتركهم ليحققوا ذواتهم.
الإنسان الذي يستخدم حريته في الشر يحصد الشر إن آجلاً أو عاجلاً. و الإنسان الذي يستخدم حريته في البناء والتعمير فهو يحصد بناء وخلقاً وإبداعاً حتى وإن لم يؤمن بالله لكنه لا يحصد علاقة مع الله. أما الإنسان الذي يخضع لله ويعبده فإنه يحصد بالإضافة إلى ذلك علاقة روحية مع الله تجعل لحياته عمقاً في الأرض وأبدية مع الله بعد أن تنتهي الحياة على هذه الأرض أو تنتهي حياته هو هناك.

- قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. 3كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَاماً. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. 4غَيْرَ أَنَّ لَحْماً بِحَيَاتِهِ دَمِهِ لاَ تَأْكُلُوهُ. 5وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ.
نلاحظ هنا أن الله سمح بكل الحيوانات طعاماً بالرغم من الإشارة سابقاً إلى وجود حيوانات طاهرة وغير طاهرة. أعتقد أن هذا يشير إلى أن تقسيم الخليقة إلى طاهر وغير طاهر ليس جوهري في الخليقة وإنما هي مجرد "وسيلة إيضاح" جسدية منظورة للإشارة إلى الخطايا الروحية الحقيقية. وهذا ما أشرنا إليه سابقاً فيما يقوله بولس الرسول في العهد الجديد: لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ، لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ.
إذاً الطهر وعدم الطهر هو في توجهات الإنسان الروحية. الطهر هو خضوع الإنسان وإيمانه بالله وشكره على كل شيء يعطيه والنجاسة هي الطمع والأنانية والكبرياء والتمرد وعدم الإيمان.

- لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ
مرة أخرى يشير إلى هذه الحقيقية التي هي مصدر كل التشريع. أن الله خلق الإنسان على صورته. وصورة الله في الإنسان أمر جوهري فيه لا يغيره العصيان أو الخطية. هذه الصورة. أو الطبيعة الأخلاقية الروحية في الإنسان تجعل الباب مفتوحاً أمامه إلى الخير الأبدي فيعيش مع الله إلى الأبد، كما تجعل الباب مفتوحاً أيضاً للشر الأبدي عندما يعيش الإنسان إلى الأبد أيضاً، ولكن بعيداً عن الله.

- َفأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَاكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا».
ثم يختم مرة أخرى بالتأكيد على دعوة الله للإنسان للنمو. فالحقيقتان الجوهريتان، كما يظهر من التكرار، هو أن الإنسان مخلوق على صورة الله ومدعو للنجاح والازدهار.

الخميس، ١٠ سبتمبر ٢٠٠٩

العبادة لله


الإصحاح الثامن

ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ نُوحاً وَكُلَّ الْوُحُوشِ وَكُلَّ الْبَهَائِمِ الَّتِي مَعَهُ فِي الْفُلْكِ. وَأَجَازَ اللهُ رِيحاً عَلَى الأَرْضِ فَهَدَأَتِ الْمِيَاهُ. 2وَانْسَدَّتْ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ وَطَاقَاتُ السَّمَاءِ فَامْتَنَعَ الْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ. 3وَرَجَعَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ رُجُوعاً مُتَوَالِياً. وَبَعْدَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْماً نَقَصَتِ الْمِيَاهُ 4وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ عَلَى جِبَالِ أَرَارَاطَ. 5وَكَانَتِ الْمِيَاهُ تَنْقُصُ نَقْصاً مُتَوَالِياً إِلَى الشَّهْرِ الْعَاشِرِ. وَفِي الْعَاشِرِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ظَهَرَتْ رُؤُوسُ الْجِبَالِ.
وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَنَّ نُوحاً فَتَحَ طَاقَةَ الْفُلْكِ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا 7وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ فَخَرَجَ مُتَرَدِّداً حَتَّى نَشِفَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ. 8ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى هَلْ قَلَّتِ الْمِيَاهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ 9فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَقَرّاً لِرِجْلِهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ إِلَى الْفُلْكِ لأَنَّ مِيَاهاً كَانَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ. 10فَلَبِثَ أَيْضاً سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَادَ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ 11فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ قَلَّتْ عَنِ الأَرْضِ. 12فَلَبِثَ أَيْضاً سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَعُدْ تَرْجِعُ إِلَيْهِ أَيْضاً.
وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسِّتِّ مِئَةٍ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَنَّ الْمِيَاهَ نَشِفَتْ عَنِ الأَرْضِ. فَكَشَفَ نُوحٌ الْغِطَاءَ عَنِ الْفُلْكِ وَنَظَرَ فَإِذَا وَجْهُ الأَرْضِ قَدْ نَشِفَ. 14وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ جَفَّتِ الأَرْضُ.
وَأَمَرَ اللهُ نُوحاً: 16«اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. 17وَكُلَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي مَعَكَ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ: الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلَّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ أَخْرِجْهَا مَعَكَ. وَلْتَتَوَالَدْ فِي الأَرْضِ وَتُثْمِرْ وَتَكْثُرْ عَلَى الأَرْضِ». 18فَخَرَجَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَنِسَاءُ بَنِيهِ مَعَهُ. 19وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ وَكُلُّ الطُّيُورِ كُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ كَأَنْوَاعِهَا خَرَجَتْ مِنَ الْفُلْكِ.

• بعد الدمار يأتي الإعمار وبعد الموت تأتي الحياة.
• صحيح أن الحياة هشة ومهددة دائماً بالموت والفناء بكل صورة. الطوفان والأعاصير والزلازل والبراكين من ناحية والأمراض والأوبئة من ناحية أخرى والحروب والقتل من ناحية ثالثة. لكن الله يستمر في إمداد الخليقة بقوة الحياة والوجود.
• البشر يميلون للشر، لكن يظل الخير فيهم موجوداً والله كما يعاقب الشر بحزم، يستمر في رعاية الخير الذي في قلوب البشر لينمو ويمتد ويتأصل. هذا هو المفهوم الأساسي لملكوت الله في الأرض.
• ظلت الحمامة وغصن الزيتون رمزين للسلام.
• يكرر الله لنوح ونسله نفس التكليف الإلهي لآدم وحواء الإثمار والإكثار: « لْتَتَوَالَدْ فِي الأَرْضِ وَتُثْمِرْ وَتَكْثُرْ عَلَى الأَرْضِ».

وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ الطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ 21فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا. وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضاً مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضاً أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ. 22مُدَّةَ كُلِّ أَيَّامِ الأَرْضِ زَرْعٌ وَحَصَادٌ وَبَرْدٌ وَحَرٌّ وَصَيْفٌ وَشِتَاءٌ وَنَهَارٌ وَلَيْلٌ لاَ تَزَالُ».

• بناء المذبح.....
في هذه المرحلة من تعامل الله مع الإنسان كان بناء المذبح إشارة للنية لعبادة الله. فكرة الذبيحة هي أن الله أهم من هذه الحياة الأرضية. وعندما يبني الإنسان مذبح يقصد أن يقول أنه يعبد الله ويرى في الوجود ما هو أسمى من المنظور والملموس حتى أنه يذبح حيواناً ويقدمه لله. ليس أن الله يحتاج إلى دم حيوانات ليرضى (كما كان الحال في الديانات الوثنية المعاصرة لذلك الوقت) فالمزمور الخمسون يقول:
1إِلهُ الآلِهَةِ الرَّبُّ تَكَلَّمَ، وَدَعَا الأَرْضَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا. 2مِنْ صِهْيَوْنَ، كَمَالِ الْجَمَالِ، اللهُ أَشْرَقَ. 3يَأْتِي إِلهُنَا وَلاَ يَصْمُتُ. نَارٌ قُدَّامَهُ تَأْكُلُ، وَحَوْلَهُ عَاصِفٌ جِدًّا. 4يَدْعُو السَّمَاوَاتِ مِنْ فَوْقُ، وَالأَرْضَ إِلَى مُدَايَنَةِ شَعْبِهِ: 5«اجْمَعُوا إِلَيَّ أَتْقِيَائِي، الْقَاطِعِينَ عَهْدِي عَلَى ذَبِيحَةٍ». 6وَتُخْبِرُ السَّمَاوَاتُ بِعَدْلِهِ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الدَّيَّانُ. سِلاَهْ.
7«اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ. يَا إِسْرَائِيلُ فَأَشْهَدَ عَلَيْكَ: اَللهُ إِلهُكَ أَنَا. 8لاَ عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ، فَإِنَّ مُحْرَقَاتِكَ هِيَ دَائِمًا قُدَّامِي. 9لاَ آخُذُ مِنْ بَيْتِكَ ثَوْرًا، وَلاَ مِنْ حَظَائِرِكَ أَعْتِدَةً. 10لأَنَّ لِي حَيَوَانَ الْوَعْرِ وَالْبَهَائِمَ عَلَى الْجِبَالِ الأُلُوفِ. 11قَدْ عَلِمْتُ كُلَّ طُيُورِ الْجِبَالِ، وَوُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ عِنْدِي. 12إِنْ جُعْتُ فَلاَ أَقُولُ لَكَ، لأَنَّ لِي الْمَسْكُونَةَ وَمِلأَهَا. 13هَلْ آكُلُ لَحْمَ الثِّيرَانِ، أَوْ أَشْرَبُ دَمَ التُّيُوسِ؟ 14اِذْبَحْ للهِ حَمْدًا، وَأَوْفِ الْعَلِيَّ نُذُورَكَ، 15وَادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي».
وإنما هي نية التضحية بما هو مادّي ووقتي في سبيل ما هو روحي وأبدي علامة على عبادة الله واستيعاب العالم الروحي.

• البهائم والطيور الطاهرة وغير الطاهرة. أيضاً ليس أن الله خلق شيئاً غير طاهر. فكل خليقة الله طاهرة كما نرى في رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس في العهد الجديد
1وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، 2فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ، 3مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ. 4لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ، 5لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ.
(نلاحظ أن العهد الجديد يجعلنا نفهم العهد القديم بصورة أكثر عمقاً وروحانية)

لكن كان المقصود، في هذه الفترة المبكرة من تطور الفكر الروحي أن يستخدم الله الحيوانات كوسائل إيضاح ليعلم الإنسان الطهارة وعدم الطهارة. وعندما جاء المسيح علمنا أن الطاهر والنجس ليس ما يدخل فم الإنسان من طعام أو شراب بل ما يخرج منه من كلام ينم عن توجهات قلب طاهرة أو نجسة.

10ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ:«اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. 11لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ». 12حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَقَالُوالَهُ: «أَتَعْلَمُ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا الْقَوْلَ نَفَرُوا؟» (متى 15: 10- 12)
مرة أخرى الأهم هو السلوك الذي يسلكه الإنسان والأكثر أهمية هو قلب الإنسان وتوجهاته الداخلية التي تعبر السلوكيات عنها. هذا ما يعبر عنه النص هنا بتعبير " تصورات قلب الإنسان"

* تنسم الرب رائحة الرضا. بناء نوح لمذبح دليل على أنه لا يزال في الأرض من توجهه القلبي هو توجه العبادة لله. من يرى في الحياة ما هو أبعد من المادي والملموس. عندما يرى الإنسان في الحياة فقط المادي والملموس فهو قد مات روحياً وهذا هو الموت الحقيقي عند الله. لذلك سوف نجد في العهد القديم في مرات كثيرة أن يختار الله الموت الجسدي لمن ماتوا بالفعل روحياً لعل هذا يؤدي إلى الإحياء الروحي لآخرين. وهذا الإحياء الروحي هو بأن يتوبوا ويعودوا إلى الله. هذا ما فعله نوح وبالتالي اطمأن الله لوجود صوت في الأرض يساعد البشر أن يحيوا روحياً. وهذه هي الحياة الحقيقية. لذلك قال الله: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضاً مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ ... وَلاَ أَعُودُ أَيْضاً أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ. ».

الثلاثاء، ١١ أغسطس ٢٠٠٩

الطاهر والنجس والمعنى الروحي لقصة الطوفان


الإصحاح السابع

وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى الْفُلْكِ لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارّاً لَدَيَّ فِي هَذَا الْجِيلِ. 2مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ تَأْخُذُ مَعَكَ سَبْعَةً سَبْعَةً ذَكَراً وَأُنْثَى. وَمِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ اثْنَيْنِ: ذَكَراً وَأُنْثَى. 3وَمِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ أَيْضاً سَبْعَةً سَبْعَةً: ذَكَراً وَأُنْثَى. لِاسْتِبْقَاءِ نَسْلٍ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. 4لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَيْضاً أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ قَائِمٍ عَمِلْتُهُ». 5فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّبُّ.

  • البهائم الطاهرة والبهائم غير الطاهرة. سوف يأتي بعد ذلك في سفر اللاويين تفصيلات عما هو طاهر وما غير طاهر من الحيوانات (على سبيل المثال الخنزير). مرة أخرى الوحي ليس حرفياً بل هو روحيّ. ليس المقصود من هذا المكتوب هو العداء لبعض الحيوانات فكلها خليقة الله التي قال عنها من البداية أنها حسنة ويأتي العهد الجديد بعد ذلك ليؤكد على هذه الحقيقة قائلاً أن "كل خليقة الله طاهرة" ولكن ما كان الله يريد أن يرسخه في أذهان الناس في ذلك الوقت هو مفهوم الخطأ والصواب وكان يستخدم الحيوانات "كوسائل إيضاح". وسيلة الإيضاح دورها أن "تجسد" المفاهيم الروحية المجردة في صورة مادية ملموسة. المفهوم المجرد الذي أراد الله أن يرسخه هو مفهوم الخطأ والصواب، فاستخدم له وسيلة إيضاح هي الحيوانات الطاهرة والنجسة. بعد نمو العقلى البشري العام نستطيع الآن أن نستوعب المفهوم المعنوي المجرد بدون وسائل إيضاح فيمكننا عندئذ أن نتجاوز حرفية هذه الطقوس والوصايا.

الطوفان

وَلَمَّا كَانَ نُوحٌ ابْنَ سِتِّ مِئَةِ سَنَةٍ صَارَ طُوفَانُ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ 7فَدَخَلَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَنِسَاءُ بَنِيهِ مَعَهُ إِلَى الْفُلْكِ مِنْ وَجْهِ مِيَاهِ الطُّوفَانِ. 8وَمِنَ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ وَمِنَ الطُّيُورِ وَكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ: 9دَخَلَ اثْنَانِ اثْنَانِ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ ذَكَراً وَأُنْثَى. كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحاً.

وَحَدَثَ بَعْدَ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ مِيَاهَ الطُّوفَانِ صَارَتْ عَلَى الأَرْضِ. 11فِي سَنَةِ سِتِّ مِئَةٍ مِنْ حَيَاةِ نُوحٍ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ انْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ وَانْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ. 12وَكَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. 13فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ دَخَلَ نُوحٌ وَسَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ بَنُو نُوحٍ وَامْرَأَةُ نُوحٍ وَثَلاَثُ نِسَاءِ بَنِيهِ مَعَهُمْ إِلَى الْفُلْكِ. 14هُمْ وَكُلُّ الْوُحُوشِ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلُّ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلُّ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا: كُلُّ عُصْفُورٍ كُلُّ ذِي جَنَاحٍ. 15وَدَخَلَتْ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ. 16وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَراً وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ.

وَكَانَ الطُّوفَانُ أَرْبَعِينَ يَوْماً عَلَى الأَرْضِ. وَتَكَاثَرَتِ الْمِيَاهُ وَرَفَعَتِ الْفُلْكَ فَارْتَفَعَ عَنِ الأَرْضِ. 18وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ وَتَكَاثَرَتْ جِدّاً عَلَى الأَرْضِ فَكَانَ الْفُلْكُ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. 19وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ كَثِيراً جِدّاً عَلَى الأَرْضِ فَتَغَطَّتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. 20خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعاً فِي الارْتِفَاعِ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ فَتَغَطَّتِ الْجِبَالُ. 21فَمَاتَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ كَانَ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَكُلُّ الزَّحَّافَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَزْحَفُ عَلَى الأَرْضِ وَجَمِيعُ النَّاسِ. 22كُلُّ مَا فِي أَنْفِهِ نَسَمَةُ رُوحِ حَيَاةٍ مِنْ كُلِّ مَا فِي الْيَابِسَةِ مَاتَ. 23فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: النَّاسَ وَالْبَهَائِمَ وَمَا يَدِبُّ وَطُيُورَ السَّمَاءِ فَانْمَحَتْ مِنَ الأَرْضِ. وَتَبَقَّى نُوحٌ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ فَقَطْ. 24وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ عَلَى الأَرْضِ مِئَةً وَخَمْسِينَ يَوْماً.

  • هناك تقليد عن الطوفان في الكثير من الثقافات المعاصرة للثقافة العبرانية كملحمة جلجامش في حضارة ما بين النهرين. كما توجد بعض أساطير الطوفان في الثقافة اليونانيةً[1] وربما كان منشأ هذا التقليد في أرض ما بين النهرين لكون هذه المنطقة تعيش في حالة تهديد مستمر بفيضان الأنهار[2]
  • ما الذي جعل مثل هذا التقليد منتشراً في ثقافات عديدة؟

ربما هو:

شعور الإنسان بهشاشة الحياة البشرية

خوف الإنسان من الدمار

الرجاء في إعادة إعمار الأرض والبداية من جديد.

  • فهذه إذاً قصة اليأس والرجاء مختلطين ، الدمار والعمار ، الدينونة الخلاص. ألا يشبه هذا موت المسيح وقيامته ، ألا يمكن أن تشير هذه القصة إشارة ولو بعيدة إلى موت وقيامة المسيح؟ ليس المهم أن تكون حدثت تاريخياً أم لا ولكن المهم هو المعاني اللاهوتية المجردة التي وراء قصة الطوفان.

- الله هو الخالق وهو صاحب الخليقة وصاحب حرية التصرف فيها.

- الله بار ويعاقب الخطية.

- الخطية أمر مأساوي يمكن أن يؤدي لدمار الجنس البشري كله والحيوانات أيضاً.

- الله يصنع الحياة من بين أشلاء الموت.


[1] كان ديوكاليون ابن بروميثيوس ، وكانت زوجته بورا ابنة أخيه إبيميثيوس ولهذا نصح بروميثيوس ابنه أن يصنع صندوقاً ذا شكل خاص ويكدس فيه أنواع المواد الغذائية ومن يحتاج هو وزوجته من ثياب. انتهى ديوكاليون من عمل الصندوق وتجهيزه بما يحتاج ، ولم يكن يعبأ بتساؤلات الناس وسخرياتهم. حتى إذا أحاطت المياه بكل شيء ،نجا ديوكاليون وزوجته ليعيدا نشر الحياة من جديد. ( معتقدات يونانية ورومانية ، د. كامل سعفان . ص 61 دار الندى 1997)

[2] ولكن لكون هذه القصة موجود في ثقافات تقطن أماكن جعرافية مختلفة لكنا نتوقع كوارث طبيعية مختلفة مثل البراكين أو الزلازل أو خلافه. لكن ربما طغيان المياه هو أمر يرجع إلى فكرة عودة الفوضى المائية التي كانت قبل خلق الله للنظام في العالم!!

الاثنين، ٢٢ يونيو ٢٠٠٩

حوار العدل والرحمة


هَذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارّاً كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. 10وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ. 11وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ وَامْتَلَأَتِ الأَرْضُ ظُلْماً. 12وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ. فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلَأَتْ ظُلْماً مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ. 14اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. 15وَهَكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً عَرْضُهُ وَثَلاَثِينَ ذِرَاعاً ارْتِفَاعُهُ. 16وَتَصْنَعُ كَوّاً لِلْفُلْكِ وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. 17فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لِأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. 18وَلَكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. 19وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لِاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَراً وَأُنْثَى. 20مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا وَمِنَ الْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا وَمِنْ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهِ. اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لِاسْتِبْقَائِهَا. 21وَأَنْتَ فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَاجْمَعْهُ عِنْدَكَ فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَاماً». 22فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هَكَذَا فَعَلَ.

• يستمر حوار العدل و الرحمة. عدل الله يقول: : «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي» ورحمته تقول « اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكاً » الفُلك هنا رمز لخلاص الله للبشر الذين يطلبونه ويستجيبون لنداء محبته. تدبير الخلاص يستمر من بداية الكتاب المقدس إلى نهايته. الله يطرد آدم وحواء من الجنة وفي نفس الوقت يصنع لهما أقمصة من جلد لتغطية عريهما، طوفان نوح الذي يهلك وأيضاً فلك نوح الذي ينجي من يؤمن ويثق ويحتمي به. ثم بعد ذلك تأتي الأضحية (ذبيحة الفصح عند الخروج من أرض مصر) ثم نظام الذبائح الذي يشير إلى اكتمال تدبير الخلاص بالذبيح الأعظم الذي من يؤمن به ينجو كما نجا من دخلوا فلك نوح.
• أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ. الله هو إله العهد. الله يصنع عهداً مع الإنسان. الله الخالق غير المحدود يصنع عهداً مع الإنسان المخلوق المحدود. العهد دائماً ما يُقام بين اثنين متساويين، أما محبة الله ونعمته فترفع من الإنسان وتدخله مع الله في عهد. في هذا العهد الله يفعل كل شيء وليس على الإنسان إلا أن يقبل ويؤمن بعمل الله التكفيري. من يقبل ويطيع يعيش بركات ومواعيد العهد مع الله ويرتفع ليتمتع بعلاقة مع الله إلى الأبد.

الأربعاء، ٢٧ مايو ٢٠٠٩

أبناء الله وبنات الناس ؟؟؟


الإصحاح السادس

وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأُوا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. لِزَيَغَانِهِ هُوَ بَشَرٌ وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَيْضاً إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَداً - هَؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ.
وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ: الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». 8وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.

• أبناء الله وبنات الناس. ما هو التفسير؟
هناك عدة تفسيرات. أولاً: هناك من يقول أن أبناء الله هم الملائكة والناس هم البشر العاديون. وهناك من
يقول أن هناك نوعان من البشر نوع متطور (أبناء الله) ونوع أقل تطوراً (الناس) وهذه النظرية تتفق مع
فكرة تطورية وهي أن الخلق هو لمسة إلهية للإنسان الأقل تطورنا من الإنسان الحالي (وليكن إنسان
النياندارتال مثلاً) لتحدث القفزة (الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان) ويظهر الإنسان العاقل وهو أول
خليقة الإنسان المعروف حالياً (والمرموز له بشخصية "آدم")

تشير الدرسات إلى ان الانسان الحالي لم يكن الوحيد على الارض، وانما الاخير فقط، إذ عاش قبله انواع اخرى من البشر. ومن المثير ان الانسان الراهن عاصر انسانا آخر لفترة حوالي 15 الف عام هو الانسان المسمى: النيندرتال، وحدث هذا قبل حوالي 35 الف سنة فقط. إنقراض هذا الانسان قد يكون دليلا على انه لم يكن في احسن تصميم، غير ان وجوده يبقى دليلا على ان الطبيعة قد قامت بالعديد من التجارب قبل ان تصل إلى النموذج الأفضل. (راجع "إنسان النياندرتال" موسوعة ويكيبيديا)

هناك تفسير ثالث نابع من فكرة تاريخ النص وتاريخ الكتابة. تاريخ النص هو بداية الخليقة الذي لا يوجد فيه بشر كثيرون أما تاريخ الكتابة فهو في عصر تالي به بشر كثيرون. وهنا ربما يخلط الكاتب بين تاريخ النص وتاريخ الكتابة فيسقط من تاريخه هو على التاريخ الذي يتكلم عنه.




• كل هذه الأمور ليست هي مربط الفرس فالوحي في الكتاب المقدس ليس وحي حروف وكلمات. أنه وحي "المعنى الروحي" وهذا المعنى الروحي الإلهي الأبدي يتخلل كتابات كتبها بشر. ومهمة المفسر هو أن يصل لهذا المعنى الروحي الذي يتخلل هذه الكتابات البشرية. هذا المعنى الروحي هو رسالة الله لنا وهو يصلح لكل العصور لأنه يتعلق بطبيعة الإنسان واحتياجاته الروحية وبتعامل الله معه عبر العصور. هذا التعامل الإلهي قد يتخذ أشكالاً مختلفة عبر العصور وبحسب تطور الإنسان وفهمه. لكن مضمونه واحد وهو "الخلاص" اللي يريد أن يخلص الإنسان وهذا من خلال علاقة روحية بين الله والإنسان.
• ما يريد الله أن يقوله من خلال هذا الكلام هو أن الإنسان مازال مستمراً في تمرده واستقلاله فأصبح شره يتزايد كل يوم وهنا يبدأ "الحوار " الدائم بين عدل الله الذي يقضي بالقضاء على الإنسان لأنه تمرد عليه وفقد مبررات خلقه. الإنسان مخلوق من الله كتعبير عن عظمة الله (كما تعبر الكلمة عن قائلها والعمل الفني عن الفنان) والمنطق يقول أن العمل الفني إذا تمرد على الفنان وبدأ في تغيير شكله إلى القبح، فمن الطبيعي أن يبيده الفنان ويصنع من الطين عملاً آخر يطيعه ويستمر على الشكل الذي خلقه عليه. هذا المنطق يقابله منطق آخر وهو منطق رحمة الله ومحبته فالله يذكر أنه هو الذي أعطى الإنسان الحرية التي مكنته من الخطية أصلاً وأنه خلق الإنسان ليس فقط ليعلنه ويمجده، لكنه الله خلق الإنسان حراً وعاقلاً (مثله) لكي يحبه ويعيش في علاقة معه. فكيف يخلق الإنسان ليحبه ثم يقضي عليه لأنه سقط أليس من المنطقي أن يُصلحه؟ . الحوار الدائم بين عدل الله ورحمته هو الذي يصنع خلاص الإنسان.
• وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. الله يفتش عن الإنسان الذي لايزال يبحث عن الله ويستجيب لفطرته الداخلية التي تتوق للعودة لله. ومن خلال هذا النوع من البشر يتكلم الله لباقي البشر لأنه يتوق الله لاستعادة كل البشر إليه كما يشتاق الأب إلى كل أبناءه البار والعاق، الصالح والطالح.

الخميس، ٢١ مايو ٢٠٠٩

القمح والأعشاب












وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ. 18وَوُلِدَ لِحَنُوكَ عِيرَادُ. وَعِيرَادُ وَلَدَ مَحُويَائِيلَ. وَمَحُويَائِيلُ وَلَدَ مَتُوشَائِيلَ. وَمَتُوشَائِيلُ وَلَدَ لاَمَكَ. 19وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ. 20فَوَلَدَتْ عَادَةُ يَابَالَ الَّذِي كَانَ أَباً لِسَاكِنِي الْخِيَامِ وَرُعَاةِ الْمَوَاشِي. 21وَاسْمُ أَخِيهِ يُوبَالُ الَّذِي كَانَ أَباً لِكُلِّ ضَارِبٍ بِالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ. 22وَصِلَّةُ أَيْضاً وَلَدَتْ تُوبَالَ قَايِينَ الضَّارِبَ كُلَّ آلَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ. وَأُخْتُ تُوبَالَ قَايِينَ نَعْمَةُ. 23وَقَالَ لاَمَكُ لِامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: «اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي وَفَتىً لِشَدْخِي. 24إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ».
25وَعَرَفَ آدَمُ امْرَأَتَهُ أَيْضاً فَوَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ شِيثاً قَائِلَةً: «لأَنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ لِي نَسْلاً آخَرَ عِوَضاً عَنْ هَابِيلَ». لأَنَّ قَايِينَ كَانَ قَدْ قَتَلَهُ. 26وَلِشِيثَ أَيْضاً وُلِدَ ابْنٌ فَدَعَا اسْمَهُ أَنُوشَ. حِينَئِذٍ ابْتُدِئَ أَنْ يُدْعَى بِاسْمِ الرَّبِّ.
• هنا يحكي الكتاب المقدس كيف استمر الإنسان في الحياة يخلد اسمه وأسماء أبنائه. ويغالي في تقييم نفسه. فهاهو "لامك" يسير على درب جده قايين ويتفوق عليه. فإن كان ينتقم لقايين سبعة أضعاف فله يُنتَقَم سبعة وسبعين. دخلت الخطية بإنسان واحد ومن جيل لجيل تتفاقم وتستمر. أصلها الكبرياء وفروعها الشهوة والقتل.
• لكن الله لا يعدم دائماً من يخرج من صلب الخطاة ليُدعى باسم الرب ويدعو باسمه. في كل عصر وكل قبيلة ولسان نجد من يستجيب لنداء قلبه ويبحث عن الله ويدعو باسمه. فهاهو "أنوش" ابتدئ أن يُدعى باسم الرب.
• من البداية وحتى الآن يسير خط الخطية والتمرد مع خط التوبة والعودة لله في كل جيل وفي كل شعب. القمح والأعشاب الضارة ينميان معاً إلى وقت الحصاد عندما سوف يفرق الرب بينهما فيجمع القمح إلى مخازن الحياة الأبدية، أما الأعشاب الضارة فمصيرها خارج المخازن.

الأحد، ١٧ مايو ٢٠٠٩

تائها وهارباً تكون في الأرض


وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ. 9فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» 10فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. 11فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ! 12مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهاً وَهَارِباً تَكُونُ فِي الأَرْضِ». 13فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ. 14إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهاً وَهَارِباً فِي الأَرْضِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي». 15فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «لِذَلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ». وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. 16فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدْنٍ.

• بدأت الخطية عند آدم وحواء عندما قررا أن ينفصلا عن الله ويكونا إلهين لأنفسهما. الرغبة في الحرية تحولت إلى رغبة في التمرد. والرغبة في النمو والمعرفة تحولت إلى كبرياء واستقلالية وتأله. الرغبة في السيطرة على كل شيء أفقدت الإنسان السيطرة حتى على نفسه. وظهرت أول الثمار في نسل آدم و حواء فقتل قايين أخاه هابيل.
• حنق قايين على هابيل لأن الله نظر إلى عطية هابيل وإلى عطية قايين لم ينظر. لا ندري كيف كانت تقدمة العطايا ولا الطريقة التي بها كان يتكلم الله لهؤلاء البشر وهل هؤلاء شخصيات حقيقية أم هي قصة أراد الله بها أن يقدم تمثيلاً للبشر على مر العصور. المهم أن ما يريد الوحي أن يقوله ونحتاج نحن أن نتعلمه هو أن التمرد والعصيان والكبرياء قد تبدو خطايا "راقية" لكنها تؤدي في النهاية إلى خطايا قبيحة وأول القصيدة كان قتلاًَ.
• الله يسأل قايين عن دم هابيل أخيه! أَوَلا يعلم الله؟ الله يعلم ولكنه يواجه ويتكلم إلى الخاطئ. الله لا يخاصم حتى من يخطئ. الله يتكلم ويواجه. وهذا ما يجب أن نفعله مع من يخطئ في حقنا.
• "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض." دم المظلومين لا يصمت بل يصرخ إلى الله والله يسمع.
• متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها. دخل الفساد إلى العالم. فقدت الدنيا براءتها ونقائها. دخل العجز والنقص والتعب السلبي. الخسارة والعدمية.
• "تائهاً وهارباً تكون في الأرض." الأرض هي بيت الله. بيت أبينا الذي خلقها وخلقنا. ينبغي أن نشعر بالأمان هناك. لكن ما يشعرنا بالغربة هو أننا قد اغتربنا عن صاحب الأرض. منذ ذلك الحين نشعر بالغربة وبالرغبة في شيء آخر أفضل. لا نعرف ما هو ولكننا لسنا مستريحين هنا. نحن لا نشعر بالراحة في هذه الأرض لأننا في أعماقنا نتوق إلى الحالة التي نكون فيها في أرض نحن متصالحون مع صاحبها وصانعها. نحن نتوق إلى العودة إلى الله من غربتنا وتيهاننا. عندما تشعر بعدم الرضا التام في هذه الحياة فهذا معناه أنك تتوق إلى الله. إلى الحياة الأبدية. ليس فقط إلى عدم الموت وإنما إلى الحياة الحقيقية التي هي السلام مع الله ونهاية الاغتراب. يظهر اغترابنا في الشك وفي عدم التصديق وفي الخوف وفي الإحباط وفي الشهوة والنهم الذي لا ينتهي وفي عدم قدرتنا على الحب، سواء حب أنفسنا أو حب الآخرين.
• الله يؤدب ولا ينتقم. لم ينتقم الله من قايين. الرحمة لا تزال موجودة حتى مع القاتل! جعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده. برغم السقوط لا تزال رحمة الله موجودة في الأرض. لم يقتل الله قايين لأنه قتل وإنما استحياه. هنا تظهر خطية الإنسان وخلاص الله للإنسان الخاطئ.
• كل ما وجده يقتله. هذه إشارة إلى أن قايين وهابيل ليسوا هم أول البشر. في رأيي ورأي بعض المفكرين أن قصة قايين وهابيل ليست قصة تاريخية بمعنى وجود شخصية حقيقية تدعى قايين وشخصية تدعى هابيل وإنما هي قصة أسطورية رمزية أراد به الوحي أن يلخص مأساة الإنسان. هي حقيقة ولكنها حقيقة روحية أكثر من كونها تاريخ دقيق.
• "خرج قايين من لدن الرب" يا لها من جملة قاسية لا زلنا نعاني من ألمها حتى يومنا هذا. في قمة فرحنا نشعر بشيء ناقص. في قمة نجاحنا نشعر بالخواء. في قمة تمتعنا بالحب البشري، نشعر أننا وحيدون ومغتربون. ذلك لأننا قد خرجنا من لدن الرب.

الاثنين، ٢٠ أبريل ٢٠٠٩

إن أحسنت، أفلا رفع!



ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِياً لِلْغَنَمِ وَكَانَ قَايِينُ عَامِلاً فِي الأَرْضِ. 3وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ 4وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضاً مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ 5وَلَكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدّاً وَسَقَطَ وَجْهُهُ. 6فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «لِمَاذَا اغْتَظْتَ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ 7إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ. وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا».


غير مذكور لماذا نظر الرب إلى هابيل وقربانه ولم ينظر إلى قايين وقربانه. كثيراً ما نسقط تفكيرنا البشري على هذه الفقرة ونظن أن الله احتقر الخضروات ولم يسر بالإنتاج الزراعي وإنما يفضل الإنتاج الحيواني! وكأن الله "يحب اللحوم" لكن في الواقع لا يقدم النص الكتابي السبب. لعل السبب كان في الفرق بين التوجه القلبي بين قايين وهابيل. نحن أيضاً لا نعرف ما المقصود "بالنظر" وكيف كان ذلك عملياً. ربما ليس المطلوب منا أن نعرف ذلك فالمسكوت عنه في الكتاب هو في الأغلب ليس ما يريد الكتاب أن يقوله.
لكن ما الذي يريد أن يقوله؟
أظن أن المغزى في القصة هو تلك العبارة التي قالها الله لقايين وهو يريد هنا أن يقولها للجميع في كل العصور بغض النظر عن المناسبة أو الظرف المتغير:
«لِمَاذَا اغْتَظْتَ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ. وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا».
المشكلة هي في رد الفعل. الغيظ والاستياء الذي يتحول إلى مرارة وكراهية. هذه المرارة تقتل. تقتلنا عندما نفقد الأمل في التغيير وتجاوز المواقف مهما كانت. سواء كنا نحن الذين أخطئنا أم أخطأ أحدهم في حقنا. ما يريد الله أن يقوله هنا هو: " لا تعش في الماضي. انظر إلى المستقبل!" " يمكن أن يكون المستقبل أفضل" "يمكنك أن تفعل أفضل من ذلك!" " يمكن للخطية أن تُرفَع والتغيير أن يحدث".
لكنك إذا استسلمت للغضب والاستياء فسوف تدخل في دائرة مفرغة من الأخطاء تؤدي بك إلى ربما إلى القتل و الموت.
تذكر أنك صاحب القرار. الخطية لا تسود عليك وإنما « َأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا» أنت صاحب القرار. هذا الكلام يأتي في مواجهة صريحة مع الأفكار القدرية التي تفترض أن حدوث الأشياء "قدر ومكتوب". هنا يقول الكتاب المقدس. ليس الأمر قدر أو مكتوب. أنت تسود على قراراتك. أنت مخلوق على صورة الله حراً. الخطية تشتاق إليك. هناك ميل حقيقي للخطية فيك وكأن الخطية امرأة لعوب تشتاق إليك وتراودك عن نفسك. لكنك تستطيع أن تقول لها "لا". أنت حر ومُخَيَّر!
لقد تعلمت يا قايين أن ما تزرعه في الحقل هو الذي يخرج لك من باطن الأرض. كذلك الأمر أيضاً في حياتك الأخلاقية. إذا اخترت الشر فسيقترب إليك وإذا اخترت الخير فسيأتيك ويباعدك الشر.

نجد المسيح يردد ذلك في الموعظة على الجبل وكأنه يعيدنا إلى جنة عدن والغضب الذي اندلعت شرارته بين قايين وهابيل وأدى ذلك إلى أول جريمة قتل.
«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ.»
لقد بدأ "تفاعل" القتل عندما ترك قايين الغضب يأكل قلبه مع كونه قادر على السيادة عليه والتصرف فيه بطريقة أفضل.
فهل نتعلم؟

الثلاثاء، ١٤ أبريل ٢٠٠٩

اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ


وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ»

خُلقت حواء من آدم، وولد الرجل من المرأة. فإن كانت المرأة من الرجل فالرجل بالمرأة، و كما أعطى الله الرجل امرأة، أعطى المرأة رجلاً. هكذا نلاحظ أن حواء هي التي قالت «اقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ» وليس آدم.

في الجنس الرجل هو الذي يؤدي ويمكنه أن يفقد القدرة على الأداء أو تضعف قدرته، أما المرأة فأداءها في العملية الجنسية أقل إيجابية من الرجل. الأداء الجنسي الإيجابي للمرأة هو الإنجاب. لذلك فإن كانت ذكورة الرجل مرتبطة بأداءه الجنسي، فأنوثة المرأة مرتبطة بإنجابها.

صحيح أن الذكورة والأنوثة ليست هي كل ما في الإنسان فالرجل أكثر من مجرد ذكر والمرأة أكثر من مجرد أنثى، إلا أن الذكورة والأنوثة أجزاء حميمة جداً من هويتنا فقد خلقنا الله « ذَكَراً وَأُنْثَى ». لهذا السبب فإن هويتنا الجنسية تؤثر على هويتنا عموماً مهما حاولنا إنكار ذلك أو الترفع فوقه. عندما تهتز القدرة الجنسية للرجل، تهتز هويته وثقته بنفسه كرجل، وعندما تفقد المرأة قدرتها على الإنجاب تهتز صورتها كأنثى. بالطبع يمكننا التسامي فوق ذلك ولكن ليس بتجاهله وإنما بتجاوزه.

الخميس، ٩ أبريل ٢٠٠٩

وعرف آدم حواء امرأته


الإصحاح الرابع

وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ "

يا له من تعبير جميل عن الجنس بعيد عن التعبيرات الحسّية التي استُخدِمت وتُستخدَم للتعبير عن العلاقة الجنسية بين الزوجين. هي إذاً علاقة "معرفة" والمعرفة تتطلب المشاركة والكلام. أن "نتكلم" عن علاقتنا بكل أبعادها، العاطفيّ والفكريّ والروحيّ والجنسيّ أيضاً. هذه المشاركة تجعل العلاقة "عاقلة".

ما يريد سفر التكوين أن يقوله هنا هو أن النظر للزواج فقط كمتعة جنسية وكمكافأة للرجال على تعبهم في العمل والحرب ليس هو ما قد أسسه الله من البداية. هذه النظرة الحسّية الاستهلاكية للجنس هي التي فتحت الباب فيما بعد لتعدد الزوجات في العهد القديم، حتى بين أنبياء الله كموسى وداود وسليمان.

جاء المسيح ليعيدنا إلى البدايات ويقدم نفسه كنموذج للرجل الذي لا يرى الجنس مكافأته الأثمن. لذلك ليس غريباً أن يشير المسيح دائما ًلسفر التكوين قائلاً:

«أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟»

مشيئة الله من البداية، والتي يعلنها سفر التكوين، هي رجل واحد وامرأة واحدة في علاقة جنسية طوال العمر. هذه العلاقة الجنسية ليست علاقة استخدام واستهلاك وإنما علاقة معرفة ومشاركة. هذه المشاركة الوجدانية الروحية بين الذكورة والأنوثة في الإنسان هي ما يشبع الإنسان ويحقق تكامله ويجسد صورة الله فيه. أما غيابها فيجعل الجنس مجرد متعة حسية تمتع لثوان معدودات وهذه "الوقتية" في الجنس هي التي تجعل الإنسان يريد جنساً أكثر وأكثر، كمن يشرب من ماء مالح فلا يرتوي بل يزداد عطشه والعطش المتزايد يفتح الباب لإدمان الجنس ولكل أنواع الانحرافات الجنسية والتعبيرات غير الطبيعية عن هذه الرغبة.

الثلاثاء، ٣١ مارس ٢٠٠٩

سفر التكوين 1



(السفر الأول من أسفار موسى الخمسة والتي تسمى "التوراة")

الإصحاح الأول

وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». 27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. 28وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».

  • الإنسان له "بركة" الله بارك الإنسان. كل إنسان! البركة تعني قوة روحية فوق المواهب الطبيعية. قوة للإثمار والابتكار والسيطرة الطيبة على الخليقة. لا تزال هذه البركة موجودة برغم اللعنة والسقوط والخطية.
  • الإنسان له دعوة. دعوة الإنسان هي أن يسيطر ويتسلط بالحب والرعاية على الخليقة. هذه السيطرة الإيجابية الراعية تحولت إلى استغلال للخليقة وتلويث لها وإفسادها وإن كانت السيطرة الإيجابية الراعية لا تزال هي أيضاً موجودة. والصراع بين الاثنين موجود. بين الاستغلال والرعاية

29وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْراً عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْراً لَكُمْ يَكُونُ طَعَاماً. 30وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَاماً». وَكَانَ كَذَلِكَ. 31وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْماً سَادِساً.

  • الإنسان في الأصل نباتي!

الإصحاح الثاني

1فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. 2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقاً.

  • بارك الله العمل وبارك الراحة.
  • قال أن كل ما عمله "حسن" وبارك أيضاً اليوم السابع وقدّسه لأن فيه استراح!

15وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً 17وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ». 18وَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ: «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ». 19وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. 20فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِيناً نَظِيرَهُ. 21فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْماً. 22وَبَنَى الرَّبُّ الإِلَهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. 23فَقَالَ آدَمُ: «هَذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هَذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». 24لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً. 25وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ.

  • من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً. الوصية الأولى هي " تأكل" وليس "لا تأكل" الأصل في وصايا الله هو المنح وليس المنع.
  • " ليس جيداً أن يكون آدم (الإنسان) وحده" الإنسان بالرغم من احتياجه لله وبالرغم من تمام علاقته بالله لا يزال يحتاج إلى بشر آخرين "نظيره" أي مثله ويستطيع أن "ينظرهم"
  • الإلتصاق حاجة إنسانية وخلق الله الجنس ليمارس به الإنسان التصاقاً على كل المستويات الروحي والنفسي والجسدي. لكننا أفسدناه ونفسده كسائر الأشياء ونختزله فقط في لذة حسّية نستهلكها فنستهلك أرواحنا ونشقيها ونستهلك ونشقي بعضنا البعض.

الإصحاح الثالث

1وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلَهُ فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقّاً قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» 2فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ 3وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلَّا تَمُوتَا». 4فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! 5بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ». 6فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ. 7فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ.

  • بالفعل قال الله لا تأكلا من 100 % من شجر الجنة وإنما من 99.9999999 % منها لكن الشيطان يركز على المنع لاستثارة الشهوة دائماً.
  • "لن تموتا" جسدياً وإنما سوف تموتا روحياً. الكذب يبدأ من قول نصف الحقيقة.
  • الخطية هي في الأساس رغبة الإنسان في التمرد على الله وأن يكون الإنسان إلهاً لنفسه. لقد خلقنا الله للسيطرة ولكن للسيطرة معه وليس بدونه.
  • الخطية هي رغبتنا في السيطرة بدون الله والاستغناء تماماً عنه. الخطية هي أن أقول أنني لا أحتاج إلى أحد! لا أتعلم من أحد بل أعلم نفسي بنفسي! لا أخضع لأحد بل أكون مكتفياً بنفسي ولدي كل ما أحتاج! مثل الله الذي هو غير محتاج لأحد، أنا أيضاً أريد ألا أكون محتاجاً لأحد! أريد أن أكون إلهاً!

ثم بعد هذه الفكرة تأتي المثيرات الحّسية. بعد أن قالت الحية للمرأة أنهما إذا أكلا من الشجرة سيصيران

كالله عارفين الخير والشر، عندئذ فقط رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن

الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها.

الخطية إذاً ليست بسبب أن لدينا احتياجات أو أننا نتعرض للمغريات، ولكن التمرد الداخلي والرغبة في السيطرة والتأله هو الذي يجعلنا أكثر عرضة لتأثير المثيرات والمغريات. لذلك فإن مقاومة الخطية لا تأتي فقط بالبعد عن المثيرات بل بالخضوع لله أولاً. نخضع لله ونقاوم رغبتنا في السيطرة بمنأى عن الله، ثم نقاوم إبليس ومغرياته.

8 وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلَهِ مَاشِياً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلَهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». 11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». 13فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هَذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». 14فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعِينَ وَتُرَاباً تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. 15وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ». 16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ». 17وَقَالَ لِآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».

  • خشيت، لأني عريان! الخوف والخزي هما نتيجة الانفصال عن الله.. عن الحب.
  • مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟» انتهاء البراءة الإنسانية! كلنا كأطفال نعيش جزء من هذه البراءة ونتمنى لو نستمر فيها ولو يستمر أطفالنا فيها فلا يعانون مثلما عانينا من انتهاك البراءة، ولكن هذا هو السقوط الإنساني الذي لا مفر منه ولا خروج منه إلا بالخلاص الذي يقدمه الله.
  • « وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ» سيادة الرجل على المرأة ليس هو ما أراده الله من البداية، ولكنه عاقبة الخطية. وكلما تخلصنا من تأثيرات الخطية وتأصل خلاص الله فينا، كلما قلت سيادة الرجل على المرأة واستبدلت السيادة بالحب والمساواة كما كان الحال قبل السقوط: «عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي»
  • « بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ» كما يسود الرجل على المرأة، يسود "العمل" على الرجل وكما تتعذب المرأة من العلاقات يتعذب الرجل من الإنجازات. وكما تتعرض المرأة أكثر لإدمان الحب والعلاقات يتعرض الرجل لإدمان العمل والإنجاز.

 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html