الأربعاء، ١١ أغسطس ٢٠١٠

يعقوب ـ بين الدين والإيمان


يعقوب ينمو تدريجياً من الدين للإيمان!






وَلَمَّا كَانَ عِيسُو ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً اتَّخَذَ زَوْجَةً: يَهُودِيتَ ابْنَةَ بِيرِي الْحِثِّيِّ، وَبَسْمَةَ ابْنَةَ إِيلُونَ الْحِثِّيِّ. 35فَكَانَتَا مَرَارَةَ نَفْسٍ لإِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ. 46وَقَالَتْ رِفْقَةُ لإِسْحَاقَ: «مَلِلْتُ حَيَاتِي مِنْ أَجْلِ بَنَاتِ حِثَّ. إِنْ كَانَ يَعْقُوبُ يَأْخُذُ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ حِثَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ مِنْ بَنَاتِ الأَرْضِ، فَلِمَاذَا لِي حَيَاةٌ؟».
الأصحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ
1فَدَعَا إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ، وَأَوْصَاهُ وَقَالَ لَهُ: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ. 2قُمِ اذْهَبْ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ، إِلَى بَيْتِ بَتُوئِيلَ أَبِي أُمِّكَ، وَخُذْ لِنَفْسِكَ زَوْجَةً مِنْ هُنَاكَ، مِنْ بَنَاتِ لاَبَانَ أَخِي أُمِّكَ. 3وَاللهُ الْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ، وَيَجْعَلُكَ مُثْمِرًا، وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جُمْهُورًا مِنَ الشُّعُوبِ. 4وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ لَكَ وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ، لِتَرِثَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لإِبْرَاهِيمَ». 5فَصَرَفَ إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ فَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ، إِلَى لاَبَانَ بْنِ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أَخِي رِفْقَةَ أُمِّ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ. 6فَلَمَّا رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً، إِذْ بَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ قَائِلاً: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ». 7وَأَنَّ يَعْقُوبَ سَمِعَ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ،. 8رَأَى عِيسُو أَنَّ بَنَاتِ كَنْعَانَ شِرِّيرَاتٌ فِي عَيْنَيْ إِسْحَاقَ أَبِيهِ، 9فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَأَخَذَ مَحْلَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أُخْتَ نَبَايُوتَ، زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائِهِ. 10فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ. 11وَصَادَفَ مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ. 12وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. 13وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. 14وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالاً وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. 15وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ». 16فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!». 17وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ». 18وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ. 19وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»، وَلكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً كَانَ لُوزَ. 20وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ وَثِيَابًا لأَلْبَسَ، 21وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا، 22وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ»
هذا هو اختبار "التجديد" ليعقوب، حيث "يظهر الله له" ويلمس قلبه ويعلن له عن نفسه. عندئذ يتحول الله من "إله آباءه" أو "الدين الذي ورثه عن آباءه" إلى إلهه الشخصيّ: يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا. عندما يتعرف الإنسان على شخصية الله ويفهم مقاصده وطرقه من نحو الإنسان، ويؤمن به إيماناً شخصياً قلبياً يصبح بالفعل مؤمناً حقيقياً وليس مجرد "متدين".  لقد كان يعقوب متديناً حتى هذه اللحظة. صحيح أنه كان مهتماً بالأمور الروحية وإتمام الوصايا والفرائض والشعائر (مع أنه لم يكن هناك في ذلك الوقت الكثير من هذه الفرائض)، ويعرف "عن" الله لكن لم يحدث لقاء شخصي بينهما.  يخبرنا العهد الجديد أن الله يريد أن يقابل كل إنسان هذه المقابلة الشخصية.وهو يستغل الظروف التي تخفت فيها أصوات الحياة ويقل انشغالنا بها لكي ينادي علينا. من يسمعون ويتجاوبون و"يخرجون" خارج "ساقية" حياتهم الدوّارة فهم الذين يستمعون لصوت نداءه ويصنعوا معه هذه العلاقة الشخصية. أحياناً يستخدم الله الألم والمعاناة أو الغربة (كما هو الحال في حالة يعقوب) أو الخوف (كما سنرى في حالة خوف يعقوب من انتقام أخيه عيسو). في هذه الأحيان نكتشف وجود الله الذي كان موجوداً دائماً ولم نكن نعلم لأننا لم ننتبه وذلك كما يقول يعقوب: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!»
نلاحظ أيضاً أن يعقوب لا يزال "نموه الروحي" محدوداً،  وبالرغم من أنه تعرف على الله، إلا أنه لا يزال منحصراً في نفسه  ويربط علاقته بالله بحدوث الخير له وكأنه "يقايض" الله. وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ وَثِيَابًا لأَلْبَسَ، 21وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا، 22وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ» بالرغم من تعرفه على الله بصورة شخصية، إلا أنه لا يزال أسيراً للدين. و أقصد بالدين هنا أن "نفعل أشياء" لكي نرضي الله، لكي يقوم هو بدوره بمكافأتنا بأن يكون معنا ويحفظنا ويعطينا خبزاً وثياباً. مازال يعقوب، مثلنا في كثير من الأحيان، مشغولاً بعطايا الله أكثر من انشغاله بالله نفسه. كثيرون منا هكذا، ليس فقط لأنانيتنا وانحصارنا في أنفسنا، لكن أيضاً لأننا لا نعرف الله جيداً فنخاف منه فنطيعه إما طمعاً أو خوفاً. وحتى إذا لم يكن لدينا الطمع أو الخوف فنحن كثيراً ما لا ندرك أن من الممكن إقامة "علاقة شخصية" دعني أقول "عاطفية"، "رومانسية" مع الله. لكن عندما يحدث هذا فإننا نكتشف أن هذه العلاقة أغلى من كل كنوز الأرض وقادرة أن تجعلنا نشعر بالرضا حتى ولو لم يحفظنا الله حفظاً جسدياً  مادياً(ولنا في قصة أيوب مثالاً سوف نتناوله عندما نصل لهذا الِسفر).
تعرف يعقوب على الله وصار "مؤمناً" لكن لا يزال التدين يشكل جزءاً من تكوينه. وفي الأجزاء التالية من قصة يعقوب سنرى كيف أن الله يهتم بنمو يعقوب الروحي أكثر من نموه المادي وبالرغم من أنه سمح له بالنمو المادّي إلا أنه عاد وهدد نموه المادي تهديداً كبيراً وجرده من كل شيء لكي يدخل بحياته الروحية إلى مستوى أعلى من الإيمان ومستوى أقل من التدين. 

السبت، ٧ أغسطس ٢٠١٠

النُظُم الأسرية وتكرار الأخطاء عبر الأجيال


النُظُم الأسرية وتكرار الأخطاء عبر الأجيال
نعود للوراء قليلاً لنرى كيف تكررت أخطاء ابراهيم في اسحق. هل هي "لعنة" سحرية تنتقل عبر الأجيال أم أنه نظام أسري ينتقل بالتربية والتعليم غير المباش؟
الأصحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ
1وَكَانَ فِي الأَرْضِ جُوعٌ غَيْرُ الْجُوعِ الأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ، فَذَهَبَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِيمَالِكَ مَلِكِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِلَى جَرَارَ. 2وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ. 3تَغَرَّبْ فِي هذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. 4وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، 5مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي». 6فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ. وَسَأَلَهُ أَهْلُ الْمَكَانِ عَنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: «هِيَ أُخْتِي». لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقُولَ: «امْرَأَتِي» لَعَلَّ أَهْلَ الْمَكَانِ: «يَقْتُلُونَنِي مِنْ أَجْلِ رِفْقَةَ» لأَنَّهَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ. 8وَحَدَثَ إِذْ طَالَتْ لَهُ الأَيَّامُ هُنَاكَ أَنَّ أَبِيمَالِكَ مَلِكَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَشْرَفَ مِنَ الْكُوَّةِ وَنَظَرَ، وَإِذَا إِسْحَاقُ يُلاَعِبُ رِفْقَةَ امْرَأَتَهُ. 9فَدَعَا أَبِيمَالِكُ إِسْحَاقَ وَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ امْرَأَتُكَ! فَكَيْفَ قُلْتَ: هِيَ أُخْتِي؟» فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: «لأَنِّي قُلْتُ: لَعَلِّي أَمُوتُ بِسَبَبِهَا». 10فَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتَ بِنَا؟ لَوْلاَ قَلِيلٌ لاضْطَجَعَ أَحَدُ الشَّعْبِ مَعَ امْرَأَتِكَ فَجَلَبْتَ عَلَيْنَا ذَنْبًا». 11فَأَوْصَى أَبِيمَالِكُ جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلاً: «الَّذِي يَمَسُّ هذَا الرَّجُلَ أَوِ امْرَأَتَهُ مَوْتًا يَمُوتُ». 12وَزَرَعَ إِسْحَاقُ فِي تِلْكَ الأَرْضِ فَأَصَابَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَبَارَكَهُ الرَّبُّ. 13فَتَعَاظَمَ الرَّجُلُ وَكَانَ يَتَزَايَدُ فِي التَّعَاظُمِ حَتَّى صَارَ عَظِيمًا جِدًّا. 14فَكَانَ لَهُ مَوَاشٍ مِنَ الْغَنَمِ وَمَوَاشٍ مِنَ الْبَقَرِ وَعَبِيدٌ كَثِيرُونَ. فَحَسَدَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ. 15وَجَمِيعُ الآبَارِ، الَّتِي حَفَرَهَا عَبِيدُ أَبِيهِ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، طَمَّهَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَمَلأُوهَا تُرَابًا. 16وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِسْحَاقَ: «اذْهَبْ مِنْ عِنْدِنَا لأَنَّكَ صِرْتَ أَقْوَى مِنَّا جِدًّا». 17فَمَضَى إِسْحَاقُ مِنْ هُنَاكَ، وَنَزَلَ فِي وَادِي جَرَارَ وَأَقَامَ هُنَاكَ.

من هذه الحادثة نلاحظ عدة ملاحظات:
1)      كرر اسحق نفس كذبة ابراهيم على فرعون عندما قال عنها أنها أخته. تُرى هل كان ذلك نظاماً أسرياً خاطئاً أم قيم و"حيَل" سائدة في المجتمع حينذاك أن يكذب الإنسان ويقول على زوجته أنها أخته لكيلا "يُقتَل" من أجله؟ لا ندري لكننا نرى أن ذنوب الآباء يرثها الأبناء من جيل إلى جيل ليس بالضرورة عن طريق لعنة روحية أو توارث بيولوجي من خلال "الجينات" ولكن الأقرب للتصديق هو التعلُّم وتأُثير التنشئة والبيئة.
2)      ذلك التوارث البيئي يمتد مثل كرة الجليد التي يزداد حجمها كلما نزلت من على قمة الجبل. كذب ابراهيم "نصف كذبة" لأن سارة كانت بالفعل أختاً غير شقيقة، أما اسحق فكذبته كانت كاملة فرفقة لم تكن اخته مطلقاً. بعد ذلك رأينا كيف تحولت "الكذبة" إلى اسلوب حياة من الخداع والمكر في حياة يعقوب.
3)      ملاحظة أخرى مهمة جداً وهي أن مفهوم "النعمة" وقبول الله غير المشروط يتخلل الكتاب المقدس من أول حرف فيه لآخره. الله يقبل الجميع ويدعو الجميع ورجال الله وأنبياءه في كل العصور هم الأشخاص الذين يستشعرون هذه النعمة ويقبلونها بدورهم فيضعوا حياتهم في يد الله. هؤلاء الأشخاص بهم كل العيوب مثل الجميع والله يقبلهم بعيوبهم ويدخلهم في  مدرسة الحب والقبول التي تُغيّر وتنمي وتنضج.
4)      نلاحظ أيضاً صبر الله وأناته علينا كلما نخطئ ونكرر الخطأ. الله لا ينتقم ولا يعاقب ولكنه يصحح ويؤدب بحب. لأنه يذكر ويعرف أن أخطائنا هي بسبب خوفنا وضعفنا ونقص ثقتنا به. الله لا يعقابنا لنقص ثقتنا به ولكنه يتدخل في حياتنا تدخلات تجعلنا نراه ونصدق فيه وتزداد ثقتنا فيه. لا يعاقبنا بالابتعاد بل ينمينا ويغيرنا بالاقتراب والحنان. 

الأربعاء، ٤ أغسطس ٢٠١٠

يعقوب وعيسو. الذكورة والأنوثة ـ الأبوة والأمومة ـ والله



يعقوب وعيسو
وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ. 20وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أُخْتَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانَ أَرَامَ. 21وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى الرَّبِّ لأَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ امْرَأَتُهُ. 22وَتَزَاحَمَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ: «إِنْ كَانَ هكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا؟» فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ الرَّبَّ. 23فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: «فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ». 24فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. 25فَخَرَجَ ألأَوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا اسْمَهُ «عِيسُوَ». 26وَبَعْدَ ذلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ اسْمُهُ «يَعْقُوبَ». وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا. 27فَكَبِرَ الْغُلاَمَانِ، وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ الصَّيْدَ، إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ. 28فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ. 29وَطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخًا، فَأَتَى عِيسُو مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ قَدْ أَعْيَا. 30فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أَطْعِمْنِي مِنْ هذَا الأَحْمَرِ لأَنِّي قَدْ أَعْيَيْتُ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ «أَدُومَ». 31فَقَالَ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي الْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ». 32فَقَالَ عِيسُو: «هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ، فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟» 33فَقَالَ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِيَ الْيَوْمَ». فَحَلَفَ لَهُ، فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ. 34فَأَعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُوَ خُبْزًا وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى. فَاحْتَقَرَ عِيسُو الْبَكُورِيَّةَ.


لا يمكن أن نبرح هذه الفقرة دون أن نقف عند يعقوب وعيسو وعلاقة كل منهما بأبيه وأمه ونمو شخصية كل منهما. وسوف نتناول هاتين الشخصيتين من منظور نفسي تربوي روحي تحت نقاط ثلاثة:
·       الطبيعة الموروثة
·       التنشئة (العلاقة بالوالدين)
·       الروحانية (العلاقة بالله)

أولاً: الطبيعة الموروثة (السجيّة) Temperament  وتأثيرها على الشخصية
يولد بعض الأولاد بطبيعة ذكورية أكثر من أولاد آخرين. بالطبيعة الذكورية أقصد الميل للخروج خارج البيت و للمغامرة و حب الإثارة والقدرة على المبادرة والبُعد عن الأمان الذي يوفره البيت. مثل هذه الشخصية تحب أن تختبر غموض الحياة المادية وتسبر غور الأماكن الجديدة على أرض الواقع المادي الملموس. ذكور آخرين، برغم اكتمال ذكورتهم جنسياً، لهم بعض الميول الأنثوية في الشخصية مثل البقاء في البيت والهوايات البيتية مثل الطبيخ والأمور التي يمكن أن تمارس داخل الأبواب مثل القراءة والموسيقى والفنون. مثل هؤلاء يحبون سبر أغوار المجهول ولكن في عالم المعاني والفكر. الإفراط في الصفة الذكورية يؤدي إلى شخصية مندفعة تبحث عن اللذة الحسّية الوقتية والإفراط في الصفة الأنثوية يؤدي إلى شخصية ماكرة مخادعة متآمرة. وهذا ما حدث في شخصيتي كل من يعقوب وعيسو كما نرى. ولعلنا نرى هذه الطبيعة المتآمرة لا تزال في نسل يعقوب (إسرائيل) حتى الآن. 
ثانياً: العلاقة بالأب والأم (التنشئة) Upbringing وتأثيرها على الشخصية
عادة ما ينجذب الأب للولد صاحب الذكورة العالية وخاصة إذا كان مثله وبالتالي تكون لديهم نفس الاهتمامات. أحياناً أيضاً إذا كانت للأب سمات أنثوية مرتفعة وكان يكرهها في نفسه فإنه لا يحب الابن الذي لديه نفس الصفات الأنثوية العالية فيرفضه لأنه يرفض فيه ما يرفضه في نفسه. الأب الأكثر اتزاناً بين الذكورة والأنوثة (مع ميل بالطبع للذكورة) هو الأكثر قدرة على الالتحام bonding بابناءه الذكور سواء كانوا كانوا من أصحاب الذكورة العالية أو المنخفضة. وهذا بدوره يساعد على أن ينموا هؤلاء بشكل متزن دون إفراط في الذكورة المندفعة أو الأنوثة الماكرة. من الواضح أن اسحق التحم نفسياً بعيسو أكثر مما فعل مع يعقوب الذي التحم اكثر بأمه: 28فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ. هذا التقسيم إلى حزبين في البيت له مضار كبيرة:
ـ فالولد الذي يندفع في ذكورته دون أن يتلامس مع الجانب الأنثوي والذي يجب أن يُنَمَّى بعلاقة جيدة بالإناث كالأم مثلاً، يصبح رجلاً متهوراً وغير ناضج. ربما هذا كان المقصود عندما وُصِف يعقوب بأنه رجل كامل (أي أنه ناضج أو عاقل أو متزن) وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ الصَّيْدَ، إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ.
ـ والولد الذي يلتحم بأمه أكثر من اللازم ولا يلتحم بأبيه، يكبر وذكورته ضعيفة. هذه الذكورة الضعيفة ربما لا تكون ضعيفة للدرجة التي تؤثر في توجهه الجنسي ويصبح مثلياً (وهذا لم يكن وارداً كثيراً في هذه الثقافة القبلية لأنه كان من السهل بالنسبة للذكر أن يلتحم بدرجة ما برجال آخرين في هذه البيئة من المعيشة الجماعية). لكن على الأقل يمكن أن تؤثر هذه السمات الأنثوية الزائدة عن الحد في أن يصبح الرجل كما نقول "ابن امه" أكثر من اللازم ويتآمر معها ضد الأب والولد الأكثر ذكورة.

ثالثاً: الروحانية (العلاقة بالله) وماذا تفعل في الشخصية
بطبيعة الحال تتميز الصفة الأنثوية بميل أكبر للروحانية أو للنوع التأملي من الروحانية (وهو النوع السائد في أغلب الأحيان) وتتميز الطبيعة الذكورية بسبب تعلقها بكل ما هو مادي وملموس بالبعد عن الروحانية. لهذا السبب كان يعقوب متعلقاً جدأً بقضية روحية معنوية هامة وهي "البركة" والبركة هنا  تمثل جانبين روحي و إنساني. الجانب الروحي  هو "رضى الله وموافته" و الجانب النفسي العلاقاتي هو "رضى الأب وموافقته" و كان  "إعطاء البركة" ممارسة روحية أسرية تربط هاتين القيمتين معاً فيصبح رضا الرب من رضى الأب.  هذا التشجيع أو التوكيد affirmation  الأبوي ضروري جداً في التكوين النفسي والروحي للذكور، يظل الرجال عطشى إليه طوال العمر خاصة الذين لم يلتحموا بآبائهم ويظهر هذا العطش في صور متعددة  تظهر بشكل متطرف في الجنسية المثلية لكنها تظهر بصور أخرى أقل تطرفاً وأكثر شيوعاً في صورة  الإفراط في الجنس والعنف (وربما العنف الجنسي كالاغتصاب والتحرش)، وبين الإندفاع لتحقيق النجاح وإدمان العمل والشهرة والمال أو حتى الخدمة الروحية غير المتزنة.  كلها تمثل طرقاً يائسة لإثبات الاستحقاق الذكوري و "بدائل" فاشلة لذلك التوق العميق للتوكيد من ذكر أكبر وأب محب.
نلاحظ هنا الجانب الروحي في كل من يعقوب وعيسو والذي يوضح لماذا اختار الله يعقوب ولم يختر عيسو. السبب ببساطة ان يعقوب اختار الله ولم يختره عيسو. الله يحب الجميع ويختار الجميع، لكن اختياره للإنسان لا يُمكن أن يُفعَّل إلا إذا قام الإنسان نفسه باختيار الله.  ذلك لأن الله خلق الإنسان حراً. وفيما يلي علامات اختيار يعقوب لله واختيار الله له.
1)      يعقوب كان يسعى في طلب البركة. كان يعقوب مهتماً بهذا البُعد الروحي الإنساني. أما عيسوا فقد اظهر احتقاراً للبكورية بسبب رغبة حسّية مباشرة كرغبة الأكل مثلاً: وهذا عيب "ذكوري" فادح يمثل الذكورة المندفعة التي تطلب اللذة الحسّية الآنية على الابعاد الروحية غير المنظورة. حتى أنه ظن أنه إذا لم يأكل "الآن" سوف يموت. بالطبع هذا تفكير طفلي لكنه يعكس عدم قدرته على تأجيل اللذة.
2)      إن كانت طريقة يعقوب ماكرة وخبيثة وخاطئة، إلا أنها تعكس رغبة عارمة نحو الله ونحو الأمور الروحية. هذا أشار إليه المسيح في العهد الجديد عندما قال أن ملكوت السموات يُغصَب والغاصبون يختطفونه (متى 11: 12)  واضح أن عملية البيع والشراء هذه حدثت بين يعقوب وعيسو بينما كانوا أطفال أو مراهقين، حتى أن عيسو عندما طلب منه أبوه اسحق أن يأتي بصيد لكي يباركه، نسى أنه قد باع بكوريته لأخيه. نرى كيف كان يعقوب يخطط (ربما مع أمه) منذ وقت باكر جداً للحصول على البكورية. من الواضح أن شعب اسرائيل الحالي بالرغم من عدم احتفاظهم بالرغبة في الله، احتفظوا بطبيعة الرغبة في الاغتصاب والتأمر! 

ماذا فعل الله مع يعقوب؟
ما سوف نراه في الإصحاحات التالية من  تعاملات الله مع يعقوب هو أنه ظل معه لأن يعقوب يريد أن يكون مع الله. ومارس الله مع يعقوب الأبوة الحنونة الحازمة التي كان يفتقد إليها. كسر خداعه واعتداده بعقله ومكره، وحوله من يعقوب المتعقب، إلى إسرائيل (أي شعب الله). وهذا ما يفعله الله مع كل واحد يدخل للملكوت. ملكوت الله مفتوح ومتاح ومجاني للجميع. لكن هناك شرط وحيد للدخول وهو شرط منطقي، وهو أن "تريد الدخول"! لا دخول بالإرغام! لا يرغم الله أحداً على الدخول ولا يمكن لإنسان أن يرغم إنساناً آخر على الدخول. يمكن لكل إنسان يريد الدخول أن يدخل ويُقبل كما هو. لكنه هناك، عندما يصادف المحبة والأبوة المتزنة،  فإنه ينضج ويتغير. 
 
google-site-verification: google582808c9311acaa3.html